جلس الزوجان على مائدة الطعام ؛ تلك المائدة التي كانت عامرة بما لذّ وطاب من أصناف المشهّيات , والتي قضت الزوجة نصف يومها في تحضيرها , والتي تسببت لها في عدة حوادث ، كجروح في أصابعها من جراء تقطيع اللحم , والتواء في ساقها اليسرى عند الوقوف على الكرسي لإحضار كيس الأرز من فوق دولاب الأطعمة , وأخيرًا ورم في جبهتها بسبب سقوط كومة البصل على رأسها .. الزوج منهمك في إحضار لقمة من هنا ولقمة من هناك , ومضْغ قطعة من الحمام المشوي, وأخْذ حفنة أرز على قطعة لحم , ثم يتبع ذلك كله ببعض البازلاء المطبوخة , والتي كان طعمها شهيًا كبقية الأطعمة الموجودة ؛ فزوجته أستاذة في صنع البازلاء والحمام المشوي ،، فقد تعلمت كل ذلك من بنات عمومتها كانت الزوجة في حسن استقبال زوجها ؛ فقد قامت بشراء بعض الشموع الحمراء , والتي وضعتها مضاءة على مائدة الطعام , مع بعض الورود الحمراء والصفراء والبيضاء , وزينت بها بقية الغرفة لتظهر في مشهد رومانسي حالم , وحالة حب حقيقية بين الزوجين ، كما كانت الزوجة متهيئة متزينة لزوجها بأجمل زينة , لابسةً ثوبًا أزرق مطرزًا ببعض التطريزات الجذابة كان عندها منذ فترة العقد ؛ لتجدّد به عهدها بتلك الفترة الحانية ؛ وتعيد به ذكريات الحب والغرام والشوق والهيام .. وبعدما فرغ الزوجان من الطعام دار هذا الحوار بينهما :-
الزوجة :- ما رأيك في الفستان يا حبيبي ؟! هل تذكره؟! ..
الزوج :- نعم ، أليس هذا فستان العقد ، لقد تكدّر لونه وتغيّر كثيرًا..
يتغير وجه الزوجة .. يا ليتني لم ألبسه .. كنت أريده أن يتذكر تلك الأيام الجميلة .. هكذا قالت الزوجة في نفسها ..
الزوجة:- وما رأيك في الشموع والأزهار ، أليست رائعة؟!
الزوج :- لا أدري لمَ تُجلسيننا في الظلام وهاهي الكهرباء متوفرة؟!
الزوجة:- وما رأيك في البازلاء يا حبيبي؟!
الزوج :- ينقصها بعض الملح ..
الزوجة:- وما رأيك في الحمام المشوي؟!
الزوج :- لو كنتِ أكثرتِ من الأرز لكان شهيًا ..
قامت الزوجة بعد أن أُحبطت , وبعدما ندمت أشد الندم , واستعوضت ربها في اليوم الذي قضته في المطبخ وتجهيز البيت لاستقبال الزوج , ودخلت لتنام لتستقبل يومًا جديدًا من التعب والإرهاق وهي تردد في نفسها : في فترة الخطوبة كان يمتدحني كثيرًا , وكنت أعتقد أنها مبالغات فأطلب منه أن يكف عن ذلك , أما الآن فأشتهي كلمة إطراء على فستان أو زينة أو حتى طبخة فلا أجد .. إلى الله المشتكي !!
ما رأيك عزيزي الزوج في هذا المشهد السابق؟!
أغلب الظن أن هذه الزوجة لن تقوم ببذل أي مجهود إضافي في البيت بعد الآن ، والسبب في ذلك أنها لم تسمع كلمة مدح ، فالنفس البشرية مجبولة على حب المدح من الناس , سواء كان المدح بسبب أو بغير سبب ، بحق أو بغير حق ؛ فإن النفس إذا مُدحت انتفخت وانتشت,وكان هذا المدح حافزًا لها على مزيد من الإنتاج والعطاء ، هذه الصفة عامة في الرجل والمرأة , ولكنها عند المرأة أشد ؛ فهي في حاجة دائمًا لأن تكون في عينيْ زوجها أجمل النساء وأفتنهن , وأن تكون أمهر النساء في شئون المنزل , وأنضجهن عقلاً وأميزهن تفكيرًا وثقافةً، ولكن ليس ذلك كافيًا بالنسبة لها ، فأعظم من ذلك أن يمدحها الزوج على هذه الأمور وإن لم تكن فيها ، فلتمدحها على تنظيف المنزل وتجميله ،وعلى طبخها ،وعلى تنظيم مائدة الطعام ،وعلى ذوقها في اختيار الأزهار والشموع ، وعلى أناقتها واختيارها لألوان الملابس التي تلبسها ،إلى غير ذلك مما تقوم به المرأة .
___________________
المدرسة المحمدية
ونبينا محمد صلى الله عليه وسلم له السهم الوافر وقصب السبق في تلمس الحاجات العاطفية والرغبات البشرية , فقد كانت سيرته مع زوجاته وبناته لا تخلو من حسن تدليل وممازحة وملاطفة وحسن إنصات ..
فها هو عليه الصلاة والسلام إذا أتت فاطمة ابنته رضي الله علنها قام إليها فأخذ بيدها فقبلها ، وأجلسها مجلسه ، وكان إذا دخل عليها قامت إليه فأخذت بيده فقبلته وأجلسته في مجلسها وكان إذا رآها رحب بها وهش ، وقال :- ( مرحباً بابنتي ) ..
أما زوجاته عليه الصلاة والسلام فقد ضرب المثل الأعلى في مراعاتهن وتلمس حاجاتهن بل هاهو عليه الصلاة والسلام يجيب عن سؤال عمرو بن العاص رضي الله عنه ويعلمه أن محبة الزوجة لا تخجل الرجل الناضج السوي ، فقد سأله عمرو بن العاص : أي الناس أحب إليك ؟ .. فقال عليه الصلاة والسلام :-( عائشة ) ..
_________________________